12 October 2014

تاريخ العالم المعاصر

كتاب تاريخ العالم المعاصر بقلم
الدكتور محمد حمزة حسين الدليمي

لتنزيل كتاب تاريخ العالم المعاصر اضغط هنا

تاريخ اوربا في عصر النهضة

كتاب بقلم الدكتور: محمد حمزة حسين الدليمي

تاريخ اوربا في عصر النهضة

تاريخ اوربا في العصور الوسطى



كتاب تاريخ اوربا في العصور الوسطى
بقلم الدكتور: محمد حمزة حسين
لتحميل الكتاب اضغط هنا

27 May 2013

الأوضاع الإدارية والاقتصادية والاجتماعية للإمارات الإسلامية ببلاد إيران في القرنين الثالث والرابع للهجرة/التاسع والعاشر للميلاد (الوحدة والتنوع) لطالب الدكتوراه حسين إبراهيم محمد مصطفى الجبراني



         الأوضاع الإدارية والاقتصادية والاجتماعية للإمارات الإسلامية ببلاد إيران في القرنين الثالث والرابع للهجرة/التاسع والعاشر للميلاد(الوحدة والتنوع)

كلية الآداب
جامعة الموصل

أطروحة  دكتوراه فلسفة في التاريخ الإسلامي
تقدم بها
 حسين إبراهيم محمد مصطفى الجبراني

 إشراف
الأستاذ
الدكتور عماد الدين خليل عمر



ملخص الدراسة
لقد توصل الباحث في دراسته الموسومة :(( الأوضاع الإدارية والاجتماعية والاقتصادية للإمارات الإسلامية ببلاد إيران في القرنين الثالث والرابع للهجرة/التاسع والعاشر للميلاد ـــــــــ الوحدة والتنوع ــــــــــــ ) إلى مجموعة من الاستنتاجات الرئيسة يمكن أن نوجز أهمها وكما يأتي:
1ــــــ إن الإسلام لا يريد أن يصب الأمم والشعوب والجماعات في قالب واحد ، وإنما يعطي لكل منها الحرية الواسعة في التعبير عن ذاتها في عاداتها وتقاليدها ، وأذواقها ، ولغاتها وثقافتها عموماً وفق الخيار الحر، ولكن بما لا يخرج عن الثوابت الإسلامية التي تجمع كل الشعوب والجماعات في سياق واحد يتحرك صوب هدف ، ولقد عبرت الإمارات التي تمت دراستها في هذه الأطروحة عن هذه الحقيقة التي يمكن أن نطلق عليها مصطلح( الأممية الإسلامية)، التي تعمل تحت شعار:
) ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ(،([1])، هذا هو الذي مكن لهذه الأممية من الاستمرار، وهذا جرى بخلاف الأممية الماركسية التي سعت إلى صب كل الأمم والشعوب والجماعات التي انضوت تحت لوائها في قالب أُحادي صارم ، الأمر الذي دفعها إلى التمرد على هذا المنظور متشبثةً بخصوصياتها ، وقد تحدثت عن هذا الموضوع بالتفصيل الكامل الخبيرة الفرنسية (هيلين كارير دانكوس) في كتابها (القوميات والدولة السوفيتية)، وأنبأت باحتمالات سقوطها قبل انهيار الماركسية في الاتحاد السوفيتي سابقاً.
2ـــــــ الإمارتين الطاهرية والسامانية كانتا إمارتي استكفاء لأن أمراءهما حاولوا قدر جهدهم ان يكسبوا ثقة الخلافة العباسية بهم ، ليمرروا مشروعيتهم في حكم إمارتيهما لاكتساب رضا الناس وقناعتهم بهما، أمَّا الإمارتان الصفارية والعلوية فيمكن اعتبارهما إمارتي (استيلاء) لأن أمراءهما استولوا بالقوة على إمارتيهما مما دفع بالخلافة العباسية إلى تقليدهم الإمارة للحفاظ على وحدة أراضي الخلافة، وكانت آلية العلاقة بين هذه الإمارات والخلافة العباسية تمثلت بتبعية هذه الإمارات للخلافة العباسية في جوانب محددة وهي، الحفاظ على مصالح الخلافة في مناطق نفوذها والعمل على الاعتراف الكامل بسلطة الخلافة العباسية وتقديم الولاء ـــــــ كالدعاء والخطبة على المنابر. ونقش اسم الخليفة على المسكوكات المتداولة إلى جانب اسم الأمير الحاكم، وإرسال جعالة مادية وهدايا رمزية ـــــــــ مقابل إرسال الخليفة تقليد الولاية والعهد والولاء إلى حكام هذه الإمارات ، وفي جانب آخر كانت الإمارة العلوية في طبرستان لا تدين بأي ولاء أو تبعية للخلافة العباسية في بغداد وكانت في حروب متواصلة مع أنصار الخلافة في إيران ، ولكن وعلى الرغم من عدم موالاة الإمارة العلوية للخلافة في بغداد الا أنها لم تعلن العداء والحرب للخلافة جهاراً ولم تحرك جيوشها لمحاربة الخلافة العباسية في بغداد .
 3ــــــ تمحورت السياسة الخارجية لهذه الإمارات في ثلاثة محاور رئيسة أولاً: الحفاظ على وحدة أراضي الدولة الإسلامية والدفاع عنها في مواجهة الأعداء المتربصين، وتمثلت بجهود أمراء هذه الإمارات في التصدي لهجمات قبائل الترك والديالمة والهنود وكبح جماحهم، والمحور الثاني: هو نشر الإسلام في بيئات جديدة، وتمثلت بجهود أُمراء هذه الإمارات ودعاتها في نشر الإسلام في شمال شرق إيران، وكابل وطبرستان وبلاد الديلم وبلاد ما وراء النهر، والمحور الثالث: هو إضافة معطيات حضارية جديدة إلى بنية الحضارة الإسلامية، إذ شهدت إيران وبلاد ماوراء النهر نشاطاً علمياً وفكرياً ضخماً وصارت مدن نيسابور ومرو وبلخ وهراة والري وأمل وزرنج وبخارى وسمرقند من أبرز المراكز الحضارية في القرنين الثالث والرابع للهجرة، حتى غدت هذه المدن وغيرها من مدن إيران وبلاد ما وراء النهر مراكز مهمة للإشعاع الفكري والعلمي، ولتصبح أراضي هذه الإمارات أراضي خصبة لاستقطاب طلاب العلم من مختلف بقاع الأرض.
 4ـــــــ التشابه الكبير في أنظمة الحكم والإدارة ، إذ قدر للقواعد والأسس الجديدة للحكم والإدارة ، التي استمدت قواعدها من الدولة الساسانية والدولة العباسية(الأم)، قدر لها أن تستمر وتظل سائدةً في إيران في القرنين الثالث والرابع للهجرة مع بعض التطورات والتعديلات، إذ كان نظام الحكم ملكياً وراثياً؛ واقتصرت السلطة على لقب الأمير أو الداعي، وتولوا إدارة شؤون الأقاليم بأنفسهم، أو عهدوا بها أحياناً إلى قادة الجيش، أو أبناء الأسر المحلية المعروفة ، ولم تختلف أجهزة الحكم والإدارة اختلافاً بيناً عما كانت عليه في العهود السابقة ، وإنْ أطلقوا عليها أحيانا تسميات جديدة مثل: العميد، والصاحب ، وكبير الحجاب ، والمستوفي، و صانع المعروف ، وصاحب الحرس، وقاموا بتعيين العلماء والمحدثين والأدباء والفضلاء على رأس هذه الدواوين وحسب الكفاءة ، باستثناء الطاهريين الذين نصبوا على دواوينهم أشخاص على أساس الولاء للأسرة الطاهرية ؛ وأولى أمراء هذه الإمارات اهتماماً خاصاً بديوان القضاء والمظالم والحسبة، فتمكنوا بذلك من حماية الطبقات الدنيا من الظلم والاضطهاد ؛ وكان الأمير أو الداعي يقود الجيش وظل معظم الجيش يتألف من عناصر محلية في أول الأمر ونتيجة زيادة الفتوحات استعانوا بالعناصر الأخرى من الترك والكورد والديالمة ، وتبين أنَّ العسكرية هي السمة الغالبة على هذه الإمارات.
 5ــــــــ تفاوتت نسبة تطور الجهاز الإداري وتقدمه في هذه الإمارات بحسب عاملي الزمن والمساحة ، مثلاً: العلويون كانوا في إقليم محدد وهو طبرستان وبلاد الديلم ، في حين نجد السامانيين قد مدوا نفوذهم على معظم الأقاليم الإيرانية فضلاً عن بلاد ما وراء النهر، فمن الطبيعي أنْ تمتلك الثانية نظم إدارية ومالية أكثر تطوراً من الأولى ، إذاً القضية هنا (جغرافية تاريخية)، إما أنْ تكون المساحة المكانية مترامية والزمانية متطاولة فتنشأ مؤسسات إدارية خصبة ومتنوعة ومتطورة لضبط هذه الإمارة المترامية الأطراف؛ أو تكون مساحتها التاريخية والجغرافية محدد ، فتكتفي بمؤسسات ونظم إدارية بسيطة قادرة على إدارة البلاد.
 6ــــــــ كانت الزراعة في إيران وبلاد ما وراء النهر من العناصر الأساسية في تكوين اقتصاديات هذه الإمارات لا بل في تكوين اقتصاد الدولة العباسية ، إذ هي بلاد زراعية نتيجة وجود السهول كونها مناطق زراعية ، وكثرة مصادر المياه ، والمناخ الجيد الذي اتسم بالتنوع ، كل هذا دفع السلطات الحاكمة في هذه الإمارات للبحث عن إيجاد تصنيف جيد لنظام ملكية الأراضي؛ فوجدوا ضالتهم في نظم الدولة العباسية ، التي هي الأخرى تتشابه في بعض جوانبها مع النظم الساسانية ، وكذلك شجعت السلطات الحاكمة على استصلاح الأراضي الزراعية ، ونظم الري، وعملت على توفير الوسائل اللازمة لذلك؛ وذهبت بهم العناية إلى إحداث قوانين مكتوبة على هيئة كتب خاصة بالزراعة ونظم الري ، فأصبحت هذه الكتب حجة عند نشوب الخلاف على المياه في إيران ، فضلاً عن استحداث ديوان لتنظيم الري ، فاتسعت مساحة الأراضي الزراعية في إيران وبلاد ما وراء النهر، وتنوعت المحاصيل الزراعية وأماكن زراعة هذه المحاصيل ؛ وأهميتها بالنسبة للسكان ومنهم: طائفة التجار، وعلى الرغم من الإصلاحات الآنفة الذكر إلا أنَّ النشاط الزراعي في الإمارات الإسلامية في إيران قد عانى من جملة مشاكل ، كجفاف الأنهار وقلة تساقط الأمطار، وموجات البرد ، والفيضانات ، والزلازل وغيرها من المعوقات .
 7ـــــــــ وقد تمتعت طبيعة إيران بتضاريسها المتنوعة بوجود مناطق واسعة للرعي ، أدى ذلك إلى وجود ثروة حيوانية كبيرة تمثلت في المواشي بأنواعها التي كانت تربى في أرجاء هذه الإمارات ، فضلاً عن تربية دودة القز والطيور الداجنة ، علاوةَ على النَحل الذي أدى إلى توافر العسل الذي اشتهر بالجودة ، كما توافرت في هذه الإمارات ثروة سمكية جيدة ، وبخاصة في المدن الواقعة على السواحل التي اشتهرت بمضاربها ومصايدها.
 8 ـــــــ تقدمت الصناعات والحرف في الأقاليم والمدن الإيرانية بفضل توافر المواد الأولية بمختلف أنواعها النباتية والمعدنية والحيوانية ، ووفرة الأيدي الماهرة ، والخبرات التي اكتسبها العمال الصناعيون من الأجيال السابقة ؛ واتصالهم ببلاد لها خبرة صناعية كبيرة مثل: الهند والصين ، فضلاً عن حسن استغلال الثروة المعدنية ، كالحديد والنحاس والذهب والفضة والرصاص وغيرها ، حتى أصبحت مدنها من أكبر مراكز الصناعات المعدنية ، وارتقت الصناعات والحرف حتى اشتهرت في جميع الأفاق، من مثل: منسوجاتها الحريرية والصوفية والقطنية ، ومصنوعاتها الذهبية والفضية والحديدية ، وأصبحت المهن المرتبطة بالصناعة من المهن النبيلة وذات الشأن الكبير في هذه الإمارات، ونتج عن تقدم الصناعات والحرف وكثرة منتوجاتها إيجاد التكتلات والتنظيمات بين أصحاب الصنائع والحرف ، كانت امتداداً لمثيلاتها في الدولة العباسية ، وعلى الرغم من التقدم الصناعي في إيران بعامة إلا أنه قد تفاوتت نسب التقدم من أمارة إلى أخرى، وبحسب توفر المواد الأولية الداخلة في هذه الصناعات.
 9ــــــــ أصبح لهذه الإمارات دور معروف في التجارة وتجارة المرور (الترانزيت)، فقد أدّى موقع إيران وبلاد ما وراء النهر الجغرافي وتوافر الموانئ والمراكز التجارية والأسواق ، وتوفر الذهب والفضة ، ونمو التداول النقدي ، وتعدد وسائل الدفع ، وضرب النقود وسك الدنانير الذهبية والدراهم الفضية على نطاق واسع وتداولها واتساع العمليات المصرفية ، فضلاً عن شهرة أهل البلاد في التجارة وارتياد البحر ؛ كل ذلك أدى دوراً مهماً في ازدهار النشاط التجاري في هذه الإمارات ، الذي شمل التجارة المحلية ، والداخلية ، والخارجية بين صادرات وواردات ، اعتمدت على الطرق التجارية البرية منها والبحرية ، ونتج عن هذا التطور تنوع وسائل التعامل التجاري ، واتساع عمليات البيع والشراء ؛ إما عن طريق التجار أنفسهم أو وكلائهم ، وأدى هذا النشاط التجاري الواسع بين أقاليم مدن هذه الإمارات وباقي أرجاء العالم الإسلامي إلى إقامة الأسواق المتخصصة في مدن هذه الإمارات ؛ كما كان لتوفر الأمن للتجار في خلال رحلاتهم عبر الطرق التجارية أثر في ازدياد النشاط التجاري، فقام أمراء هذه الإمارات بحفر الآبار وإقامة المحطات في طرق القوافل وأنشأوا الربط في الثغور ، وخصصوا أماكن لراحة التجار فأنشئت في بخارى وسمرقند ونيسابور وزرنج وآمل وغيرها من المدن ، فنادق وخانات للتجار الغرباء، كانت أشبه بالأسواق الكبيرة.
 10ــــــــ ولم يعترض سبل تجارة هذه الإمارات عارض في المتاجرة مع دار الخلافة في بغداد ، فعلى الرغم من تأسيس هذه الإمارات شبه المستقلة إلا أن أراضي هذه الإمارات ظلت جزءاً لا يتجزأ من أراضي الخلافة العباسية ، فضلاً عن أن الصراعات السياسية لم تقف عائقاً أمام حركة القوافل التجارية القادمة من نيسابور ومرو وهراة وبخارى وسمرقند ومدن طبرستان وسجستان وغيرها من الأقاليم والمدن إلى مدينة السلام ، وغيرها من مدن الدولة العباسية وبالعكس.
 11ــــــــ ونتيجة لتباين مستوى النشاط التجاري من إمارة إلى أخرى ، فقد تباينت أقيام عملات كل إمارة عن الأُخرى واستعمالاتها ، فضلاً عن تباين استخدام عملات المدن والأقاليم الأخرى ، ولهذا فقد تميزت الإمارة السامانية باستخدام عملاتها بكثرة من قبل الدول والأقاليم المجاورة ؛ علاوة عن انتشار ظاهرة تداول عملات الدول والأقاليم المجاورة في أسواق المدن السامانية ، نظراً لما تمتعت به مدن الإمارة السامانية ، ولاسيما العاصمة بخارى من نشاط تجاري واسع تجاوز حدود إيران وبلاد ما وراء النهر .
 12ــــــــ كانت معظم النشاطات الصيرفية في هذه الإمارات بأيدي النصارى واليهود مما يدل على روح التسامح الإسلامي السائد في هذه الإمارات ، فقلما اشتغل المسلمون بالصيرفة خشية الوقوع في الربا ، على الرغم من أن الفقهاء قد وضعوا ضوابط محددة لعمل الصيارفة تتوافق مع الشريعة الإسلامية ، للحيلولة دون إيقاع هؤلاء الصيارفة بالربا ، فكانت بمثابة حسبة على الصيارفة .
 13ــــــــ ومن أكبر الإنجازات التي ترتبت على العمليات التجارية في إيران وبلاد ما وراء النهر هو أن التجارة كانت سبباً رئيساً في انتشار الإسلام بين قبائل الأتراك الوثنين انتشاراً مدهشاً في القرنين الثالث والرابع للهجرة.
 14ــــــــ لقد تبارت مكونات المجتمع الإيراني بصورة غير مباشرة في إثبات حضورها وسعت كل شريحة عرقية ، أو جماعة طائفية إلى برهنة وجودها وتأكيد تميزها ، وفرض الاحترام لها ، فالفرس أهل البلاد الأصليين ، كانوا يسعون جاهدين إلى الانسلاخ عن جسد الدولة العباسية عبر تأسيس إمارات خاصة بهم ؛ أما العرب فقد احتفظوا ببعض عاداتهم وتشبثوا بالانتماء لبني جنسهم  وبرز هذا بروزاً واضحاً بعد قيام الحركة الشعوبية في بلاد إيران  وتعاظم نشاطها التآمري بهدف ضرب الكيان العربي الإسلامي من خلال ثقافته وإرثه الحضاري ، ولكن كل هذا لم يمنع العرب من التأثر بالحضارة الفارسية ، والتأثير فيها ؛ وكان الترك يسعون جاهدين لتقلد المناصب العسكرية ، وفي حالة تقلد هذه المناصب كانوا يحرصون على تكوين جيش من جنسهم ليدعموا حكمهم ؛ أمَّا الكورد فقد عملوا على إبراز دورهم في المجتمع عبر مشاركة زعماء القبائل الكوردية وقواتهم في قمع الكثير من التمردات التي كانت تواجه عمال هذه الإمارات ، فضلاً عن انضمام بعض الكورد إلى الحركات التي اجتاحت بلاد إيران في القرنين الثالث والرابع للهجرة ، كحركات الخوارج التي اجتاحت إقليم سجستان ؛ أما الديلم فقد ظلوا متمسكين بتقاليدهم الفارسية السابقة والتفوا حول
(الآس
ـﭘهبد) الطبرستاني، وسعوا جاهدين إلى التخلص من الحكم العباسي والعودة إلى عهود ملوك طبرستان ، فضلاً عن صراع العناصر السكانية الأخرى في البحث عن ذاتها والعمل على تحقيقها في ميدان الواقع.
 15ـــــــ كانت الإمارات الإسلامية في إيران وبلاد ما وراء النهر خلال القرنين الثالث والرابع للهجرة مزيجاً من الأديان والمذاهب والفرق الدينية ، وهو ما دلّ على اختلاف أساليب التفكير وطرائق الحياة ، إذ كانت إحدى العلامات الفارقة في هذه الإمارات هو وجود مختلف الملل والنحل الدينية والفكرية فيها ؛ وفي الحقيقة فإن استمرارية هذه الإمارات وحيويتها كان رهينة تلك السياسة المرنة التي اتبعتها حيال هذه الأديان والمذاهب والفرق ، ويعكس هذا سعة صدر أمراء هذه الإمارات من جهة ، وفي المقابل يؤكد على الغنى الفكري للمجتمع الإسلامي الذي تمكن من استيعاب هذه الأديان والمذاهب والفرق المختلفة ؛ بالنتيجة فإن المفكرين والمتكلمين المسلمين فتحوا باب المناظرات والحوارات العلمية ، ونقدوا في مصنفاتهم أراء المخالفين وحللوها حتى قطعوا شوطاً بعيداً في مضمارها .
 16ــــــــ كانت ظروف الحياة في ظل حكم هذه الإمارات غاية في التعقيد والخروج على المظاهر التي عرفت بها المجتمعات الإسلامية ، فالمجتمع الإيراني ، كان مزيجاً من أعراق وأجناس متعددة اختلطت وتشابكت وتلاقحت تلاقحاً غريباً في دمائها وأفكارها وعاداتها وتقاليدها وأنماط تفكيرها وخصائص سلوكها ؛ وقد انقسم الناس من حيث الوضع الاجتماعي إلى خاصة وعامة، فالأمراء والدعاة كانوا يعيشون في قصورهم الفارهة في معزل عن الرعية وبعيداً عن العامة الذين يمنعهم الحراس والحُجاب ، كما كان الشأن في بلاط ملوك الساسانيين وكان قصور كبار رجالات الإمارة من الحكام والقادة والوجهاء معروفة في فخامتها ؛ أما العامة من الناس فكان أغلبهم يعيشون حياة ملؤها البؤس والشقاء في ذلك المجتمع الطبقي الذي عاشت فيه طبقة مترفة غاية الترف في قمة الهرم الاجتماعي في حين هبطت الطبقة الأخرى إلى الحضيض.
 17ــــــ انطلقت المرأة مع الرجل إلى ميدان الحياة وبناء المجتمع ، فكان لها أبلغ الأثر في بناء الحضارة الإسلامية في القرنين الثالث والرابع للهجرة ، إذ إن أمراء هذه الإمارات ودعاتها لم يمنعوا المرأة من ولوج باب الحياة باسم الإسلام ، وإنما عملوا على إرشادها إلى طريق الصواب وضبط دخولها معترك الحياة ، بطريقة تحافظ على كرامتها ؛ وتنال العناية والمكانة اللائقتين بها ، ولكن كل هذا لم يمنع من بقاء بعض العادات البالية التي تقلل من شأنها في بناء المجتمع ويظهر هذا جلياً عند أتباع الديانات الوثنية الذين استمروا في احتقار المرأة والنظر إليها على أنها وعاء لاحتواء نطفة الرجل وإنمائها.
 18ـــــــ ولقد كان الاختلاف الطبقي لفئات المجتمع الإيراني وشرائحه في القرنين الثالث والرابع للهجرة، فضلاً عن سعة الأراضي الإيرانية وتنوع مناخها وتضاريسها، ونتاجاتها ومحاصيلها ، وثروتها الحيوانية الكبيرة ، وتنوع الحياة المعاشية لأهلها ؛ التأثير البالغ في تنوع المأكل والملبس وتلونهما عند أهالي هذه الإمارات، فقد غلبت التقاليد الاجتماعية الفارسية ، ومن ضمنها المأكل والملبس ، على حياة جميع شرائح المجتمع في هذه الإمارات وفئاته ، فانتشرت المأكولات والملابس الفارسية في أراضٍ غير فارسية ، إذ إن من أبرز مظاهر اختلاط العرب بالفرس والترك في القرنين الثالث والرابع للهجرة هو انتقال أنواع عديدة من الملابس ، فضلاً عن أصناف كثيرة من الطعام من إيران وبلاد ما وراء النهر إلى العراق وبالعكس.
    19ــــــ لقد ظل بعض أمراء هذه الإمارات مواظبين على الاحتفال بالأعياد الفارسية القديمة ، والراجح أنّ هؤلاء الحكام كانوا يحتفلون بهذه الأعياد على أنها أعياد قومية ، أو أنها جزء من الموروث الحضاري للشعوب الفارسية ؛ وليس كعيد إسلامي تمت إلى الإسلام بصلة وإلا كان ذلك طعناً في إسلام هؤلاء الحكام المسلمين وعقائدهم ، ويبدو أن تشبث بعض أمراء هذه الإمارات بتقاليدهم القومية في الأعياد والمناسبات لا يعبر عن توجّه عموم الشعب الفارسي الذي ظل عبر فترات تاريخية عديدة متمسكاً بثوابته الإسلامي، معتزاً بها مدافعاً عنها ، بدليل أن العديد من حماة اللغة العربية والحديث النبوي الشريف كانوا من الفرس.
 20ــــــــ ونستنتج من كل ما أسلفنا حول ظاهرة الوحدة والتنوع في إمارات موضوع الدراسة أنها شهدت أنشطة متمايزة على مستوى الأعراق التي صاغتها والبيئات التي تشكلت فيها والظروف التاريخية التي تخلّقت في رحمها. وكانت كل جماعة تمارس نشاطها بحرية ، وتعبرّ عن خصائصها ، وتؤكد ذاتها، ولكن ـــــــــ في الأعم الأغلب وفيما عدا حالات استثنائية ـــــــــ في إطار الأسس والثوابت الإسلامية . ولم يقل أحد أن هذا التنوّع يمثل خروجاً عن مطالب الإسلام التوحيدية ، كما أن أحداً لم يسع إلى مصادرة حرية التغاير هذه . وفي المقابل فإنَّ أياً من هذه المتغيرات لم يتحوّل ــــــــــ إلا في حالات شاذة ـــــــــ إلى أداة مضادة لهدم التوجهات الوحدوية الأساسية لهذا الدين وللخلافة العباسية.


([1]) سورة الحجرات، الآية 13.