04 February 2012

السياسة البريطانية تجاه الحركة الوطنية في مصر 1882-1914: رسالة ماجستير تقدم بها محمد حمزة حسين الدليمي



عدّ القرن التاسع عشر عصر الاستعمار الحديث . اذ بلغت حركة الاستعمار الاوربي فيه درجة عالية من السيطرة واستعمار العالم في مختلف بقاع الارض ، واصبح الاحتلال العسكري امرا حيويا للهيمنة السياسية والاقتصادية بعد ان كان التغلغل والحصول على الامتيازات هو وسيلة المستعمر . وكان الغزو الفرنسي لمصر ( 1798 – 1801م ) بداية لمرحلة جديدة في تاريخ مصر اذ ربطها بالقوى الكبرى على نحو واسع ، كما نبه هذه القوى الى اهميتها الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية ، ولاسيما في نظر الساسة البريطانيين الذين عدوها حلقة الوصل التي تربط بريطانيا مع مستعمراتها في الهند . وازداد هذا الاهتمام بشكل ملحوظ بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م حيث رأت الادارة الاستعمارية البريطانية ضرورة بسط نفوذها على مصر .
كانت الازمة المالية التي مرّت بها مصر في عهد الخديوي اسماعيل ( 1863-1879م) هي ابرز الامور التي حاولت بريطانيا من خلالها التدخل في شؤون مصر الداخلية بحجة حماية رأسمالها داخل مصر ، فعملت على ايجاد الحجج من اجل فرض سيطرتها على البلاد . وعندما انتفضت مصر بقيادة احمد عرابي عام 1881م ضد مظاهر الاستبداد الخديوي والتدخل الاجنبي واقامت اول حكومة وطنية بأرادة الشعب تذرعت بريطانيا بأن هذه الثورة باتت تشكل خطراً محدقاً بمستقبل الاسرة الخديوية التي تسعى للمحافظة على هيكلها وبما يخدم مصالحها في مصر .
انفردت بريطانيا بالتدخل في مصر الذي اسفر عنه الاحتلال البريطاني في ايلول 1882م ضاربة عرض الحائط كل الاعراف والقوانين الانسانية وتنكيلها بالزعماء العرابيين . مما هيأ لها السيطرة على مقدرات مصر وخيراتها ، وعملت على ادارتها وكأنها احد مستعمراتها ، واقامت فيها حكومة "العقول البريطانية والايدي المصرية" التي وصفها ملنر Milner المندوب السامي البريطاني في جنوب افريقيا عام 1899م بـ"المحمية المقنعة".
وتأتي هذه الدراسة في محاولة لتسليط الضوء على كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني ومواصلة نضاله من اجل جلاء قوات الاحتلال عن البلاد . اذ كان من الطبيعي على ادارة الاحتلال ان تنفرد في تسيير امور البلاد ، مما ولد سخط اوساط عديدة في مصر لاسيما المثقفة منها . فعملت مجموعة من الشباب على تصعيد المظاهرات ضد سياسة المحتل وتولت قيادة الحركة الوطنية في البلاد ، رافضة أي قيد او شرط لوجود المحتل والتي عبرت عن اهدافها بـ (( الجلاء )) عن ارض الوطن .
ظهرت زعامات عديدة في قيادة الحركة الوطنية في مصر عمدت اولاً الى توعية الشعب العربي بمخاطر الوجود الاستعماري البريطاني من خلال الصحف الوطنية وعلى رأسها صحيفة (اللواء) المصرية ، ثم قيامها بتشكيل الاحزاب السياسية حيث ارادت بعض الشخصيات الاستفادة من وجود المحتل فيما يخص ادارة مصر ، وهذا ما طرحته جماعة
( حزب الامة ) اذ كانت تقوم سياستها على مبدأ " ان مصر ما دامت عاجزة عن اخراج البريطانيين ، فلتحاول الاستفادة من وجودهم " . في الوقت الذي كون الخديوي عباس الثاني (1892-1914م) حزب ( الاصلاح على المبادئ الدستورية ) كوسيلة يعبر من خلالها عن ميوله ومصالح نظامه – فيما بعد الاتفاق الودي 1904م – تجاه بريطانيا . بينما كانت القاعدة الجماهيرية العريضة من نصيب الحزب الوطني الذي تزعمه مصطفى كامل عام 1907م ، وهو من ابرز الاحزاب التي تولت قيادة الحركة الوطنية في مصر .
تهدف الدراسة الى الكشف عن دور بريطانيا في تحجيم الحركة الوطنية الناشئة في مصر واحتوائها كرد فعل على تصاعد نشاط الحزب الوطني الذي اكتسب شعبية كبيرة ، فضلاً عن اساليب بريطانيا وخططها وسياساتها في مصر وردود الفعل واساليب بريطانيا في مواجهة الحركة الوطنية .
اما خطة الدراسة فتضم تمهيد واربعة فصول ، ويعد التمهيد مدخلاً لتوضيح جذور التغلغل الاجنبي في مصر واثره في قيام الثورة الوطنية العرابية 1881 – 1882م ، وانتهاءً بالاحتلال البريطاني لمصر .
اما الفصول فقد درس الفصل الاول ( الادارة الاستعمارية البريطانية في مصر
1882 – 1914م ) ، وكيفية سيطرة هذه الادارة على مقدرات البلاد وخضوع مصر الى ثلة موظفين بريطانيين وجهوا مقدرات مصر وفق مشيئتهم ، وما اسفرت عنه هذه الادارة من اضرار ولاسيما في الجانب الاقتصادي والثقافي .
وتطرق الفصل الثاني الى ( دور التيارات الفكرية والسياسية في تطور الحركة الوطنية في مصر ) وقد عبر رجال هذه التيارات عن رفضهم لمظاهر الخضوع للاستعمار الاجنبي وضرورة توحيد الجهود لطرد المحتل ، وبالتالي انارة عقول عامة الشعب المصري للكشف عن مساوئ هذا الاحتلال .
وخصص الفصل الثالث لدراسة ( السياسة البريطانية تجاه الصحافة الوطنية المصرية 1882 – 1914م ) ، كون ان بواكير الحركة الوطنية الاولى هي (( صحفية )) . وركزت هذه الدراسة على ابرز الصحف الوطنية المصرية ومواقف هذه الصحف من سياسة الاحتلال الذي كانت تدعم سياسته بعض الصحف الموالية له ، في الوقت الذي كانت تغلق مكاتب الصحف الوطنية الرافضة للاحتلال .
اما الفصل الرابع فقد تناول ( السياسة البريطانية تجاه الاحزاب المصرية ) ، ولاسيما الحزب الوطني باعتباره قائد الحركة الوطنية في مصر ، مع تسليط الضوء على النضال السري للحزب حتى الميلاد الرسمي ، ومواقف بريطانيا منه وملاحقة سلطات الاحتلال زعاماته التي اسفرت عن هجرة زعيمه محمد فريد عام 1912م الى خارج البلاد . 

No comments:

Post a Comment